نبض أرقام
22:18
توقيت مكة المكرمة

2024/06/02

"الفخ المالتوسي" .. كيف يقود نمو السكان والإنتاج عالم البشر إلى الهلاك؟

2019/11/23 أرقام - خاص

"اسمعوني وابتهجوا، أنتم على وشك الموت على يد أبناء ثانوس في سبيل خطته للخلاص".. بهذه الكلمات يبدأ مساعد الملك "ثانوس" حديثه متوجهًا إلى أهل كل كوكب تطأه أقدامه، مبشرًا بالمجزرة الجماعية التي تهدف للقضاء على نصف سكان العالم.

 

 

لكن لسوء حظه، توقف عن ترديدها بعدما قاده مصيره المحتوم إلى الأرض ليقاتل أعتى محاربيها، في الحقيقة لم يأت مساعد "ثانوس" إلى عالم البشر بحثًا عن الدمار الشامل له (في البداية على الأقل) ولكن أملًا في العثور على كنز نفيس.

 

"ثانوس" القادم من عالم بعيد في الفضاء الفسيح، يهدف إلى إبادة نصف سكان الكون، ورغم قوته وبأسه في القتال وامتلاكه جيشًا جرارًا من الوحوش العملاقة، كان يتطلع لقوة أعتى يمكنه من خلالها تحقيق هدفه بإشارة إصبع؛ هذه القوة توفرها 6 أحجار سحرية موزعة في الفضاء، اثنان منهم على الأرض.

 

رغم وحشية ودموية هذا الملك أو المخلص المزعوم، فعند تفسير رغبته في إبادة مليارات البشر وسكان العوالم الأخرى، بدا أنه ذو مبدأ ورؤية لعالم أفضل وليس مدفوعًا بالرغبة المطلقة للحصول على القوة أو الانتقام مثلًا (أو على الأقل هكذا أظهره مخرج القصة الهوليوودية لفيلم "المنتقمون").

 

يبرر "ثانوس" سعيه لإبادة نصف سكان العالم، بالقول إن موارد الكواكب تتناقص والسكان في ازدياد، وأنه لا يرغب لأي كوكب آخر أن يشهد المأساة التي شهدها كوكبه الأم، عندما انتشرت المجاعات وكان جنسه على وشك الانقراض.

 

في الواقع، رغم بشاعة واستحالة الحل الذي طرح في قصة الخيال العلمي التي حولتها استوديوهات "مارفل" الأمريكية إلى فيلم سينمائي، فإن جزءًا من الرؤية التي عرضها "ثانوس" يتشاركها مع بعض سكان الأرض في العالم الحقيقي.

 

 

الفخ

 

- بعيدًا عن نهج ما بعد الأزمة، فإن الربط بين التزايد السكاني والانهيار الحضاري الذي وصفه "ثانوس" يتشابه كثيرًا مع تعريف "الفخ المالتوسي" أو "مصيدة مالتوس"، التي عرفها الباحث السياسي والاقتصادي البريطاني "توماس روبرت مالتوس". المتوفى عام 1834.

 

- يقول "مالتوس" إنه في حين يمكن للتقدم التقني زيادة موارد المجتمع مثل الغذاء، ويدفع إلى تحسين مستوى المعيشة، فإن وفرة الموارد هذه ستعزز النمو السكاني، الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يعيد نصيب الفرد من معروض الموارد إلى مستواه الأصلي قبل التقدم.

 

- يزعم بعض الاقتصاديين أنه منذ الثورة الصناعية استطاعت البشرية تلافي هذا الفخ، فيما يرى آخرون أن استمرار الفقر المدقع في بعض أنحاء العالم يعني أن الكثيرين لا يزالون عالقين في هذا الفخ، وهو ما ينطبق على كثير من البلدان النامية في الوقت الراهن.

 

- انتقل "مالتوس" من التوصيف والتنظير إلى التحذير، بالحديث عما بات يعرف لاحقًا بـ"الكارثة المالتوسية" التي تقع عندما يتجاوز النمو السكاني الإنتاج الزراعي، وحينها تحدث المجاعة وما يصاحبها من اضطرابات اجتماعية وأمنية وتنتهي بهلاك الكثير من السكان.

 

 

- في أحد مؤلفاته المطولة المنشورة عام 1798، تحت اسم "مقال عن مبدأ السكان"، قال "مالتوس": يبدو أن المجاعة هي أكثر الموارد الطبيعية المروعة، إن قوة السكان أعلى من قوة الأرض على إنتاج الكفاف للإنسان، ما يعني أن الموت المبكر قد يحل على الجنس البشري بشكل أو بآخر.

- إذا فشلت رذائل البشر في تحقيق الإبادة، فإن مواسم الحصاد المخيبة للآمال والأوبئة والطاعون ستفعل ذلك بعد تفشيها والنيل من عشرات الآلاف، وفي النهاية فإن مجاعة هائلة لا مفر منها ستحل على البشرية، حتى تجعل مستويات الغذاء متماشية مع تعداد السكان، وفقًا لـ"مالتوس".

هل تصدق النبوءة؟

- أحد الأمثلة التي اقتربت من السيناريو الذي حذر منه "مالتوس"، كانت عندما أطلق الحزب الشيوعي الحاكم في الصين حملة "القفزة العظيمة للأمام" بهدف تطوير اقتصاد الدولة وعمليات التصنيع خلال الخمسينيات، والتي انتهت إلى هلاك عشرات الملايين في البلاد بعد مجاعة واسعة النطاق بسبب النقص الحاد في الحبوب.
 

- على أي حال، تجاوزت الصين الوقت الصعب، لكن الثمن كان باهظًا، ومع ذلك يرى خبراء أن خطر الكارثة لا يزال قائمًا، ومن المتوقع بحلول عام 2045 أن يزيد عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على الغذاء بشكل جيد بنحو 49 مليون شخص حول العالم.
 

- وفقًا لبيانات برنامج الأغذية العالمي ومنظمة معونة الغذاء، فإن هناك 821 مليون شخص حول العالم حاليًا (واحد من كل تسعة أشخاص) ينامون ليلًا دون طعام، وواحد من كل ثلاثة أشخاص يعانون من بعض أشكال سوء التغذية (الذي يعد سببًا لما يقرب من نصف وفيات الأطفال دون الخامسة).



- في الحقيقة، إن التطورات التقنية في مجال الزراعة (مثل مفهوم الزراعة العمودية)، تعني أن المناطق الحضرية المكتظة بالسكان ستكون قادرة على إنتاج ما يكفيها من الغذاء، ما يقلل احتمالية وقوع الكارثة "المالتوسية"، ومع ذلك فإن الخطر لا يزال قائمًا.
 

- المشكلة أن عدد النحل حول العالم والذي يبلغ حاليًا نحو 100 تريليون نحلة وفقًا لموقع "أولوكشان" التعليمي، وهو رقم رغم كبره قد يكون غير كافٍ، ويعزى تراجع عدد النحل إلى الزراعات الصناعية وانتشار الطفيليات وناقلات الأمراض والتغيرات المناخية.
 

- إن اضطراب التنوع البيولوجي وتدمير مواطن النحل ونقص الأعلاف الناتج عن الزراعة المعتمدة على المبيدات الحشرية القاتلة، يشكل تهديدًا لإنتاج العسل والملقحات البرية، ورغم وفرة الحبوب الملقحة بالرياح قد لا يستطيع البشر إنتاج ما يكفي من الخضراوات والفاكهة دون النحل.
 

ما السبيل لتلافي الكارثة؟

- حاليًا يشكل التحضر أزمة، حيث إن أكثر من نصف سكان الكوكب يعيشون في المدن، ومن المتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 70% بحلول عام 2045، وهذه الهجرة الكثيفة دون استثمارات كبيرة في البنية التحتية ستؤدي لمشكلات عديدة ولن يكون بمقدور المدن توظيف كل المرتحلين.

- التغير المناخي يشكل أزمة أخرى، ففي حين يهدد بغرق العديد من المدن في ظل ارتفاع منسوب مياه البحر، فإنه يؤثر على إمدادات الزراعة في بعض المناطق بشكل مباشر، وإجمالًا فقد أدت التصرفات البشرية إلى إفساد 25% من الأراضي القابلة للزارعة حول العالم.
 


 

- في زمنه، دعا "مالتوس" إلى التحكم في النمو السكاني، والضغط على الأسر العاملة للتأكد من أن الفقراء والعاطلين يساهمون في الإنتاج مقابل تلقيهم للرعاية الاجتماعية، حتى يضمن المجتمع تباطؤ النمو السكاني حتى مع تحسن مستوى المعيشة.
 

- إن الدولة التي لديها القدرة على ضمان تغذية سكانها بشكل جيد، ستكون أكثر أمانًا من تلك التي لا تستطيع إطعام مواطنيها، وفقًا لـ"مالتوس" الذي وصف هذا الضمان بـ"الفحص الوقائي" ضد النمو السكاني غير المستدام.
 

- يمكن أن يشمل هذا الفحص إعانات زراعية لتشجيع الإنتاج، والإجراءات الرامية للحفاظ على الرقعة الزراعية من آثار التغير المناخي وغيرها من العوامل، أو شبكات الأمان الاجتماعي، لضمان أن أولئك الذين لا يعملون لديهم وصول إلى الاحتياجات الأساسية.
 

- ربما لن تقع كارثة مثل "ثانوس" على البشر من السماء، وقد تتأخر نبوءة "مالتوس" 200 عام أخرى، أو على الأكثر ستظل محدودة النطاق داخل بعض المناطق الجغرافية الفقيرة، لكن التقديرات الرسمية والخاصة تعني أنه لا مفر من البحث عن البدائل والاستعداد الجيد لمستقبل سيصارع فيه المزيد من الناس للبقاء.

المصادر: كتاب "مقال عن مبدأ السكان"، أرقام، موسوعة بريتانيكا، موقع برنامج الغذاء العالمي، ذا ديبلومات، وورلد أطلس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة